مقدمة في الحادي عشر من نيسان عام 1996، كان رئيس حكومة العدو الصهيوني
شمعون بيريز قد أشبع غرقاً في مستنقع هزيمة محتملة في انتخابات كان
يترقبها الكيان الصهيوني في ظل أسهم مرتفعة لحزب "الليكود"، ولم
يكن أمام بيريز سوى خيار عسكري وقّعت على المضي به حليفته أميركا
لعله يلملم أذيال خيبته قبل وقوعها...ذاك اليوم، بدأ العدو
الصهيوني يجلي مستوطنيه عن مستعمرات شمال فلسطين المحتلة ليزيح
النقاب عن أول أيام عدوان على لبنان أسماه "عناقيد الغضب" كان هدفه
المعلن نزع سلاح المقاومة، غير أن عناقيد حقده سرعان ما أفرطتها
كلمات نطق بها أمين عام حزب الله السيد حسن نصرلله مساء ذاك اليوم
ليعلن أن المقاومة سترد بقوة على الإعتداء وأن معادلة "بيروت مقابل
كريات شمونة" مرفوضة...
في السادس والعشرين من نيسان عام 1996، وبعد مرور ستة عشر يوماً
على عدوان صهيوني غاشم سجل 883 غارة جوية وآلاف عمليات القصف
المدفعي ونحو مئتي شهيد ومئات الجرجى، تمكنت المقاومة ببأسها الذي
أمطر مستعمرات العدو بآلاف صواريخ "الكاتيوشا"، وبصمود أهلها أن
تقلب دفة الموازين لصالح لبنان لتصنع انتصاراً وطنياً وتكتسب شرعية
كرسها "تفاهم نيسان" باعترافٍ دولي، وهكذا تناثرت بين التاريخين
عناقيد الغضب على تربة رواها أبناء الوطن بسيل دماتهم لتكر سبحة
الانتصارات في التالي من الأعوام..
صواريخ "الكاتيوشا" تصنع المعادلة
في غمار المعركة، اعترف قادة العدون أن "إطلاق صواريخ الكاتيوشا
على المستعمرات كان كبيراً لدرجة عجزهم عن إحصاء عددها، ما دفع
وزير الخارجية العدو آنذاك إيهود باراك الى الاعتراف بأن حزب الله
رغم العمليات العسكرية لا يزال قادراً في كل لحظة على إطلاق صواريخ
كاتيوشا على "الجليل".
وفي سياق المقارنة بين إمكانات المقاومة العسكرية وتلك التي
كان يملكها العدو الصهيوني إبان عدوان نيسان، تبين أنه لم يكن
بالإمكان قياس حجم الكثافة النارية خلال عملية "عناقيد الغضب"، لأن
المعادلة كانت معادلة إرادة أكثر من وصفها عسكرية، فقد كانت
إمكانات المقاومة متواضعة آنذاك، أما الامكانات الاسرائيلية فلم
تكن تختلف كثيراً عما هو متوفر للعدو الصهيوني اليوم باستثناء تطور
حجم القوة النارية والقدرات التكنولوجية".
حيث أن قدرة جيش العدو التكنولوجية التي استخدمها خلال عدوانه عام
96 تمثلت بأجهزة الرصد والمتابعة كبعض الرادارات المتطورة التي
كانت ترصد الصواريخ فور إطلاقها على المستوطنات لتقدم هذه المعطيات
الى سلاح الجو المدفعي الموجود في الميدان بهدف الرد على اطلاق
الصواريخ.
وايضاً لقد عمل سلاح العدو بكل طاقته ليسقط آلاف القذائف على
الجنوب، وقياساً بعدد الصواريخ التي أسقطتها المقاومة على
المستوطنات نستنتج أن الانتصار كان انتصاراً لإرادة المقاومة، على
اعتبار أنه في الحرب لا يمكن قياس حجم التدمير والقدرة النارية
التي استخدمت بين الطرفين".
الى ذلك تأكد ان السبب الرئيسي الذي عزز انتصار المقاومة في نيسان
96 رغم امكاناتها المتواضعة، هو العامل الميداني العسكري الذي قامت
عليه مسيرة المقاومة منذ انطلاقتها مصحوباً بالتضامن الشعبي
والوطني حيث أن المقاومة صمدت على مدى ستة عشر يوماً أمطرت خلالها
كيان العدو بالصواريخ حتى اليوم الأخير من العدوان، في حين أن
الصهاينة والأميركيين خلفهم كانوا أمام خيارين: الإستمرار بالعدوان
دون تحقيق نتائج أو محاولة الخروج منه عبر الطرق السياسية
والدبلوماسية.
في حين كانت المقاومة بصمودها وتصديها للعدوان تحصد المزيد من
التأييد الشعبي لترسم أعظم خطواتها باتجاه قلب المعادلة ودفة
الموازين لصالحها ضد الكيان الصهيوني، أسفرت التحركات الدبلوماسية
التي قامت بها الحكومة اللبنانية عام 96 عن "تفاهم نيسان" الذي كرس
حق لبنان في مقاومة الإحتلال وتحرير أراضيه المحتلة والذي أعطى
المقاومة هامشاً كبيراً من المناورة ومهد لها الطريق أمام عمل أكثر
دقة وتنظيماً وتطوراً لتخرج من معاركها مع العدو الصهيوني بإنجازات
نوعية كان أبرزها الانتصار الذي تجلى في التحريرعام 2000. |